فصل: (البشارة الثامنة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.(البشارة السابعة):

في الزبور المائة والتاسع والأربعين هكذا: 1 (سبحوا الرب تسبيحًا جديدًا، سبحوه في مجمع الأبرار) 2 (فليفرح إسرائيل بخالقه، وبنو صهيون يبتهجون بملكهم) 3 (فليسبحوا اسمه بالمصاف بالطبل والمزمار يرتلوا له) 4 (لأن الرب يسر بشعبه ويشرف المتواضعين بالخلاص) 5 (تفتخر الأبرار بالمجد، ويبتهجون على مضاجعهم) 6 (ترفيع اللّه في حلوقهم وسيوف ذات فمين في أياديهم) 7 (انتقامًا في الأمم وتوبيخات في الشعوب) 8 (ليقيدوا ملوكهم بالقيود وأشرافهم بأغلال من حديد ليضعوا بهم حكمًا مكتومًا) 9 (هذا المجد يكون لجميع أبراره).
ففي هذا الزبور عبر عن المبشر به بالملك وعن مطيعه بالأبرار، وذكر من أوصافهم افتخارهم بالمجد وترفيع اللّه في حلوقهم، وكون سيوف ذات فمين في أياديهم، وانتقامهم من الأمم وتوبيخاتهم للشعوب، وأسرهم الملوك والأشراف بالقيود والأغلال من حديد. فأقول المبشر به محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه رضي اللّه عنهم ويصدق جميع الأوصاف المذكورة في هذا الزبور عليه وعلى أصحابه، وليس المبشر به سليمان عليه السلام لأنه ما وسع مملكته على مملكة أبيه على زعم أهل الكتاب، ولأنه صار مرتدًا عابدًا الأصنام في آخر عمره على زعمهم، ولا عيسى ابن مريم عليهما السلام لأنه بمراحل عن الأوصاف المذكورة فيه لأنه أسر ثم قتل على زعمهم، وكذا أسر أكثر حواريه بالقيود والأغلال، ثم قتلوا بأيدي الملوك والأشراف الكفار.

.(البشارة الثامنة):

في الباب الثاني والأربعين من كتاب أشعيا هكذا: 9 (التي قد كانت أولاها قد أتت وأنا مخبر أيضًا بأحداث قبل أن تحدث وأسمعكم إياها) 10 (سبحوا للرب تسبيحة جديدة حمده من أقاصي الأرض راكبين في البحر وملؤه الجزائر وسكانهن) 11 (يرتفع البرية ومدتها في البيوت نحل قيدار سبحوا يا سكان الكهف من رؤوس الجبال يصيحون) 12 (يجعلون للرب كرامة وحمده يخبرون به في الجزائر) 13 (الرب كجبار، يخرج مثل رجل مقاتل يهوش الغير يصوت ويصيح، على أعدائه يتقوى) 14 (سكت دائمًا صمت صبرت صبرًا فأتكلم مثل الطائفة ما بدد وابتلع معًا) 15 (أخرب الجبال والآكام وكل نباتهن أجفف واجعل الأنهار جزائر والبحيرات أجففهن) 16 (وأقيد العمى في طريف لم يعرفوها والسبل لم يعلموا أسيرهم فيها أصير أمامهم الظلمة نورًا والعقب سهلًا هذا الكلام صنعته لهم ولا أخذلهم) 17 (اندبروا إلى ورائهم والمتكلمون على المنحوتة القائلون للمسبوكة أنكم آلهتنا ليخزون خزيًا). والآية السابعة عشر في الترجمة الفارسية هكذا: (كسانيكة برشكل تراشيده توكل دارند هزيمت وبشيماني تمام خواهند يافت).
وظهر من الآية التاسعة أن أشعيا عليه السلام أخبر أولًا عن بعض الأشياء، ثم يخبر عن الأخبار الجديدة الآتية في المستقبل، فالحال الذي يخبر عنه من هذه الآية إلى آخر الباب غير الحال الذي أخبر عنه قبلها، ولذلك قال في الآية الثالثة والعشرين هكذا: (من هو بينكم أن يسمع هذا يصغي ويسمع الآية).
والتسبيحة الجديدة عبارة عن العبادة على النهج الجديد التي هي في الشريعة المحمدية، وتعميمها على سكان أقاصي الأرض وأهل الجزائر وأهل المدن والبراري، إشارة إلى عموم نبوته صلى اللّه عليه وسلم، ولفظ قيدار أقوى إشارة إليه لأن محمدًا صلى اللّه عليه وسلم في أولاد قيدار بن إسماعيل، وقوله من رؤوس الجبال يصيحون إشارة إلى العبادة المخصوصة التي تؤدى في أيام الحج، يصيح ألوف ألوف من الناس بلبيك اللهم لبيك، وقوله حمده يخبرون به في الجزائر إشارة إلى الآذان يخبر به ألوف ألوف في أقطار العالم في الأوقات الخمسة بالجهر، وقوله الرب كجبار يخرج مثل رجل مقاتل يهوش الغيرة يشير إلى مضمون الجهاد إشارة حسنة، بأن جهاده وجهاد تابعيه يكون للّه وبأمره، خاليًا عن حظوظ الهوى النفسانية، ولذلك عبر اللّه عن خروج هذا النبي وخروج تابعيه بخروجه، وبين في الآية الرابعة عشر سبب مشروعية الجهاد وأشار في الآية السادسة عشر إلى حال العرب لأنهم كانوا غير واقفين على أحكام اللّه وكانوا يعبدون الأصنام وكانوا مبتلين بأنواع الرسوم القبيحة الجاهلية، كما قال اللّه تعالى في حقهم: {وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} وقوله لا أخذلهم إشارة إلى كون أمته مرحومة {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وإلى تأييد شريعته، وقوله والمتوكلون على المنحوتة القائلون للمسبوكة أنكم آلهتنا ليخزون خزيًا، وعد بأن عابدي الأصنام والأوثان كمشركي العرب وعابدي الصليب وصور القديسين يحصل لهم الخزي والهزيمة التامة، ووفى بما وعد. فإن مشركي العرب وهرقل عظيم الروم وكسرى فارس ما قصروا في إطفاء النور الأحمدي لكنهم ما حصل لهم سوى الخزي التام وعاقبة الأمر، لم يبق أثر الشرك في إقليم العرب، وزالت دولة كسرى مطلقًا وزالت حكومة أهل الصليب من الشام مطلقًا.
وأما في الأقاليم الأخر، فمن بعضها انمحى أثره مطلقًا كبخارى وكابل وغيرهما، ومن بعضها قل كالهند والسند وغيرهما وانتشر التوحيد شرقًا وغربًا.

.(البشارة التاسعة):

في الباب الرابع والخمسين من كتاب أشعيا هكذا: 1 (سبحي أيتها العاقر التي لست تلدين انشدي بالحمد وهللي التي لم تلدي من أجل أن الكثيرين من بني الوحشة أفضل من بني ذات رجل يقول الرب) 2 (أوسعي موضع خيمتك وسرادق مضاربك ابسطي لا تشفقي طول حبالك ثبتي أوتادك) 3 (لأنك تنفذين يمنة ويسرة وزرعك يرث الأمم ويعمر المدن الخربة) 4 (لا تخافي لأنك لا تخزين ولا تخجلين فإنك لا تستحيين من أجل أنك خزي صبائك تنسين وعار ترملك لا تذكرين أيضًا) 5 (فإنه يتولى عليك الذي صنعك رب الجنود اسمه وفاديك قدوس إسرائيل إله جميع الأرض يدعى) 6 (إنما الرب دعاك مثل الامرأة المطلقة والحزينة الروح وزوجة منذ الصبا مرذولة قال إلهك) 7 (الساعة في قليل تركتك وبرحمات عظيمة أجمعك) 8 (في ساعة الغضب أخفيت قليلًا وجهي عنك وبالرحمة الأبدية رحمتك قال فاديك الرب) 9 (مثلما في أيام نوح لي هذا الذي حلفت له أن لا أصب مياه نوح على الأرض، هكذا حلفت أن لا أغضب عليك وأن لا أوبخك) 10 (فإن الجبال ترتجف والتلال تتزلزل ورحمتي لا تزول عنك، وعهد سلامي لا يتحرك قال رحيمك الرب) 11 (فقيرة مستأصلة بعاصف بلا تعزية ها أنا ذا أبلط بالرتبة حجارتك وأوئسسك بالسفير) 12 (وأجعل يسبا محاضك وأبوابك حجارة منقوشة وجميع حدودك الأحجار مشتهية) 13 (جميع بنيك متعلمين من الرب وكثرة السلام لبنيك) 14 (وبالبر تؤسسين فابتعدي من الظلم لأنك لا تخافين ومن الهيبة لأنها لا تقرب منك) 15 (ها يأتي الجار الذي لم يكن معي والذي قد كان قريبًا يقترب إليك) 16 (ها أنا ذا خلقت صائغًا الذي ينفخ في النار جمرًا ويخرج إناء لعمله وأنا خلقت قتولًا للإهلاك) 17 (كل إناء مجبول ضدك لا ينجح وكل لسان يخالفك في القضاء تحكمين عليه هذا هو ميراث عبيد الرب وعدلهم عندي يقول الرب).
فأقول: المراد بالعاقر في الآية الأولى مكة المعظمة، لأنها لم يظهر منها نبي بعد إسماعيل عليه السلام ولم ينزل فيها وحي، بخلاف أورشليم لأنه ظهر فيها الأنبياء الكثيرون، وكثر فيها نزول الوحي. وبني الوحشة عبارة عن أولاد هاجر لأنها كانت بمنزلة المطلقة المخرجة عن البيت ساكنة في البر، ولذلك وقع في حق إسماعيل في وعد اللّه هاجر (هذا سيكون إنسانًا وحشيًّا) كما هو مصرح به في الباب السادس عشر من سفر التكوين. وبنو ذات رجل عبارة عن أولاد سارة.
فخاطب اللّه مكة آمرًا لها بالتسبيح والتهليل وإنشاد الشكر، لأجل أن كثيرين من أولاد هاجر صاروا أفضل من أولاد سارة، فحصلت الفضيلة لها بسبب حصول الفضيلة لأهلها، ووفى بماوعد بأن بعث محمدًا صلى اللّه عليه وسلم رسولًا أفضل البشر خاتم النبيين من أهلها في أولاد هاجر، وهو المراد بالصائغ الذي ينفخ في النار جمرًا، وهو القتول الذي خلق لإهلاك المشركين، وحصل لها السعة بواسطة هذا النبي وما حصل لغيرها من المعابد في الدنيا إذ لا يوجد معبد مثل الكعبة من ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى هذا الحين، والتعظيم الذي يحصل لها من القرابين في كل سنة من مدة ألف ومائتين وثمانين، لم يحصل لبيت المقدس إلا مرتين، مرة في عهد سليمان عليه السلام لما فرغ من بنائه، ومرة في السنة الثامنة عشر من سلطنة يوشيا، ويبقى هذا التعظيم لمكة إلى آخر الدهر إن شاء اللّه كما وعد اللّه بقوله: (لا تخافي لأنك لا تخزين ولا تخجلين لأنك لا تستحين) وبقوله: (برحمات عظيمة أجمعك وبالرحمة الأبدية رحمتك) وبقوله: (حلفت أن لا أغضب عليك وأن لا أوبخك)، وبقوله: (رحمتي لا تزول عنك وعهد سلامي لا يتحرك)، وملك زرعها شرقًا وغربًا وورثوا الأمم وعمروا المدن في مدة قليلة لا تتجاوز اثنين وعشرين سنة من الهجرة، ومثل هذه الغلبة في مثل هذه المدة القليلة، لم يسمع من عهد آدم عليه السلام إلى زمان محمد صلى اللّه عليه وسلم لمن يدعي الدين الجديد.
وهذا مفاد قول الله، وزرعك يرث الأمم، ويعمر المدن الخربة سلاطين الإسلام سلفًا وخلفًا اجتهدوا اجتهادًا تامًّا في بناء الكعبة والمسجد الحرام وتزيينهما، وحفر الآبار والبرك والعيون في مكة ونواحيها، ومن المدة الممتدة هذه الخدمة الجليلة متعلقة بسلاطين آل عثمان، غفر اللّه لأسلافهم ورضي اللّه عنهم وزاد اللّه إقبال أخلافهم ووسع مملكتهم في الجهات، ووفقهم للعدل والحسنات، فهم خدموا ويخدمون الحرمين المعظمين أدام اللّه شرفهما من هذه المدة إلى هذا الحين كما هي، حتى صار لقب خادم الحرمين الشريفين عندهم أشرف الألقاب وأعزها، والغرباء يحبون مجاورتها من ظهور الإسلام إلى هذا الحين، سيما في هذا الزمان، وألوف من الناس يصلون إليها في كل سنة من أقاليم مختلفة وديار بعيدة، ووفى بما وعد بقوله كل إناء مجبول بضدك لا ينجح، لأن كل شخص من المخالف قام بضدها أذله اللّه كما وقع بأصحاب الفيل، روي أن أبرهة بن الصباح الأشرم لما ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي، بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس وأراد أن يصرف إليها الحاج وحلف أن يهدم الكعبة، فخرج بالحبشة ومعه فيل له اسمه محمود وكان قويًّا عظيمًا وأفيال أخرى، فخرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى، وعبأ جيشه، وقدم الفيل فكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح وإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول، فأرسل اللّه طيرًا مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه، ففروا وهلكوا في كل طريق ومنهل، وذوى أبرهة فتساقطت أنامله وآرابه وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزيره أبو يكسوم، وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي، فقص عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتًا بين يديه، وقد أخبر اللّه عن حال هؤلاء في سورة الفيل وبحسب الوعد المذكور لا يدخل الأعور الدجال مكة ويرجع خائبًا كما جاء في الأحاديث الصحيحة.